آاطريلال قال ابن البيطار : اسم بربري ، و تأويله رجل الطائر . .. و هذا النبات يعرف بالديار المصرية ب " رجل الغراب " ، و بعضهم يعرفه ب " جزر الشيطان " ، و هو نبات يشبه " الشبت " ... غير أن حمة " الشبت " زهرها أصفر ، و هذا النبات زهره أبيض. .... و بزره هو المستعمل منه خاصة في المداواة ، ينفع من البهق و الوضح نفعا بينا شربا . و أول ما ظهرت منفعة هذا الدواء و اشتهرت بالمغرب الأوسط [= الجزائر ] ، من قبيلة من البربر تعرف ببني أبي شعيب، من بني وجهان من أعمال بجاية ....[ج1 ص 4] . ................................................................. قبل التعريف بهذا النبات و ذكر أسمائه ، يسعدني و يشرفني أن أحكي لزوار موقع الوراق المجيد حكايتي مع نبات آاطريلال ، كما عشتها منذ ما يزيد عن خمس و عشرين سنة. كنت مسؤولا إداريا في مصلحة فلاحية بقرية مغربية ، معروفا عند الجيران و الزملاء باهتمامي بتربية النحل و تصنيف النباتات البرية كهوايات علمية أرعاها يوميا و أعمل كل جهدي في تنميتها و كسب المزيد من الإطلاع فيها . و ذات يوم، اتصل بي زميل و جار عزيز ، و قدم لي " و صفة طبية " كانت رائجة وقتها في المنطقة ، و تستعمل لعلاج البرص . و كانت مكونات الوصفة عبارة عن بزر و جذور . و أخبرني جاري أن العطار بائع الوصفة كان يخفي سر وصفته ، و يبيعها على شكل مسحوق لا تعرف مكوناته ، ومن غرائب الصدف أن أحد معارف جاري ، و هو من المصابين بالبرص ، ذهب يوما عند العطار فوجده غائبا ووجد في الدكان زوجة العطار و هي تنوب عن زوجها أثناء غيابه ، فناولته الوصفة على شكل بزر و جذور مقابل مبلغ سخي من المال . ناولني جاري الوصفة وقال بشيء من التحدي الصادق : إنا نراك لا تمل من البحت في حشائش الأرض و سطور الكتب الصفراء و البيضاء ، فقل لنا بربك ما اسم هذه النباتات المستعملة في علاج البرص ، يكن لك بها أجر عند الله . تسلمت الوصفة ، و قبلت التحدي ، و بدأت البحث . و النتيجة باختصار شديد هي : كان التعرف عن الجذور سهلا ، و تيقنت من ماهيتها بعد عرضها على العديد من العطارين الذين اتفقوا جميعا على انها عروق : " تغنديست " بالبربرية ، و اسمها في كتب الطب العربي هو : " عاقر قرحا " . أما بالنسبة للبذور ، فقد عرفت منذ النظرة الأولى انها لنبات من فصيلة الخيميات [ Ombellifères = Apiacées ] ، و يبقى تحديد الجنس فالنوع لمعرفة شخص النبات .... و بعد محاولات يطول شرحها ، كانت نتيجة البحت ، أنها بزر النبات المعروف بالمغرب باسم " اطليلان " أو " اضليلان " ، و هو كما هو ظاهر ، تحريف لإسم " آاطريلال " كما سيأتي شرحه إن شاء الله .
بعد التعرف على الإسم المحلي لنبات " آاطريلال " ، و هو " اطليلان " ، بفضل مساعدة فقيه قروي هو المرحوم عبد الله ، غفر الله له ، قمت بتعشب النبات ، و هو كثير الوجود باالشمال الإفريقي ، في المناطق البورية و السقوية ، و كانت نتيجة عملية التصنيف ، أنه النوع النباتي المسمى علميا بـ: [ Ptychotis heterophyllum] أي آاطريلال ذو الأوراق المختلفة ، من جنس [ Ptychotis] ، من فصيلة " الخيميات " [ Ombellifères= Apiacées] . و أما النوع الذي تعرف عليه ابن البيطار بنواحي بجاية بالجزائر ، أثناء تعشبه بها ، خلال رحلته العلمية بالشمال الإفريقي في طريقه من الأندلس نحو الشرق ، فهو النوع النباتي : [ Ptychotis verticillata ] أي آاطريلال ذو الزهر الدواري . قال المستشرق الفرنسي " لوسيان لوكليرك "[ Lucien Leclerc] ، في كتابه القيم " تاريخ الطب العربي " الذي أعادت طبعه وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية المغربية ، بأمر من صاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني، ملك المغرب ، طيب الله ثراه : [ النص الأصلي بالفرنسية ، و الترجمة لي ] : *{ و في 1219 أو 1220 م سافر ابن البيطار إلى المغرب ، و تنقل فيه مدة طويلة ، نظرا للملاحظات الكثيرة التي سجلها فيه. لم يكتف ابن البيطار بذكر النباتات التي جمعها بالمغرب ، بل حافظ لنا على العديد من الأسماء البربرية [= الأمازيغية ] التي أُدخِلت بفضله إلى قائمة الأعشاب الطبية [ المادة الطبية ]، و مفردات القواميس العربية. و تبرز إقامته في المغرب واضحة عند وصفه لشجرة الأركان [ Arganier] . *{ و توقف ابن البيطار ببجاية [ بالجزائر ] ، سنة 1220م ، و كانت بجاية [ Bougie] وقتها بلدة صغيرة ذات إشعاع ، فتكلم كثيرا عن آاطريلال [ Ptychotis verticillata] ، و كانت قبيلة " بني وجهان " تتاجر فيه كدواء خاص لعلاج البرص [ Vitiligo] . *{ و توقف بقسطنطينة، و بنواحيها وجد لأول مرة نبات " عاقر قرحا " [الكنــدس = Pyrethrum= Pyrèthre] . *{ و في تونس تعشب " الحرشف البري " [ Cynara acaulis= Tafrait] . *{ و نجده بعد هذا بطرابلس ، و فيها لاحظ لأول مرة نبات صقلاب الأوشار [L'Ouchchar = Asclepias procera ] ، ثم نجده ببرقة [ Barca] .} انتهى النص المترجم .
استعمالات آطريلال في الطب العربي : المعروف عن آطريلال في الطب العربي أنه النبات الخاص بعلاج البرص . يقول ابن البيطار الشيء الكثير عن هذا النبات ، و أنصح الزائر المهتم ، بمراجعة مادة آاطريلال بكتاب الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية ، بمكتبة الوراق التي تكاد تنفرد بعرضها لهذا الكتاب القيم حسب علمي و الله أعلم . فمما قال عنه مثلا : { ...و قد جربته غير مرة فصح ، فحمدت أثره ، و هو سر عجيب في هذا المرض [ = البرص ] ، و قد رأيت تأثيره مختلفا ، ففي بعض يسرع انفعاله فيه ، في أول دفعة من شربه أو دفعتين أيضا ، و في بعض أكثر من ذلك ...} انتهى قول ابن البيطار [ج1- ص 4 ] . سبق و أشرت إلى قصة تعرفي على شخص نبات آاطريلا ل الذي كان كثير الإستعمال في بداية الثمانينات في بعض القرى المغربية . و لقد لاحظت أن أثره عجيب كما قال ابن البيطار في الأماكن البرص من جسم الإنسان . و من أطرف ما وقع لي مع استعمال آطريلال الواقعتين التاليتين : {*} الواقعة الأولى : في بداية الدراسة و البحث في ما هية نبات آاطريلال ، كنت يوما واقفا على بعد عدة أمتار من مكتبي الإداري ، فأخذت عدة حبات من بزر آاطريلال [5 إلى 6 ] ووضعتها في فمي ثم بدأت أمضغها ، لمعرفة مذاقها و طعمها و نكهتها ، و عندما حاولت بلعها ، وقع ما لم يكن ليخطر لي على بال ، لأني كدت وقتها أفقد حياتي في طرفة عين . نعم و أأكد ما أقول ، لأني عند بلع ريقي المشبع بمحلول الآاطريلال ، الغني بمادة قابضة ، وقع انسداد تام و إغلاق محكم في مجرى النفس بين الأنف و الرئة على مستوى الحنجرة ، و شعرت بانخناق تام ، و حرت في أمري ، و خطر في بالي ان ساعتي قد حانت ، فنطقت بالشهادتين سرا ، عندها تذكرت وجود حنفية ماء على بعد عشرة أمتار ، فجريت إليها ، و ما إن شربت جرعة ماء أولى حتى بدأ انفتاح مجرى النفس ، و بعد جرعات متتالية، استعدت نفسي ، فحمدت الله على سلامتي . ...................................................... {*} الواقعة الثانية : بعد التعرف على نبات آاطريلا ، قمت بجني كمية من بزره ، و أعطيتها لأمين العطارين بمراكش آنذاك ، و هو المرحوم الحاج رحال الذي أخبرني فيما بعد ، أن للنبات أثر لايستهان به في الأماكن البرصة من جسم الإنسان . و كان من الطبيعي أن اخبر بعض أعضاء أسرتي أثناء أحاديث السمر- و الحديث ذو سجون كما يقال- عن الأثر العجيب لنبات الآطريلال في علاج البرص . و ذات يوم ، زارني ضيف عزيز ، مهنته بيع آالات التصوير القديمة منها و الحديثة ، سبق و ان اشتريت منه آالتي تصوير ضوئي ، و مجهر ضوئي [ ميكروسكوب ] مع لوازمه ، و كنت في حاجة إلى موصل [ raccord] بين آلة التصوير و المجهر حتى أتمكن من التصوير عبر المجهر ، فطلبت منه ان يبحث لي عن هذه الآلة و بأي ثمن ، فوعدني بعمل كل ما في جهده لتلبية طلبي . و مرت شهور و شهور ، ولم يعثر على الوصل حتى بدات أفقد الأمل في العثور عليه . سبب الزيارة هو سماعه لخبر آاطريلال من طرف قريب لي ، فطلب مني أن اعطيه الوصفة لعلاج ابن له ظهر البرص في جسمه . رحبت بالضيف و قمت بواجب الضيافة ، ثم ناولته مسحوق الآاطريلال [ Ptychotis heterophyllum] و عاقر قرحا أو الكندس [= Anacyclus pyrethrum بمعجم د. أحمد عيسى] معجونين بعسل النحل ، و تمنيت لولده الشفاء بإذن الله تعالى، فودعني شاكرا و رجع إلى مدينته على بعد ما يقرب من مائتي كيلومتر . و بعد مدة طويلة ، سافرت إلى مدينة ضيفي العزيز ، فذهبت عنده لأسأله عن آلة الموصل التي مازلت انتظر الحصول عليها على أحر من الجمر . و ما إن وقفت بباب دكانه حتى أقبل علي هاشا باشا و مرحبا ، فدعاني للجلوس كعادته ثم طلب من مساعده الذهاب لإحضار الشاي و الحلويات ، ثم أخبرني أنه قد وجد الموصل ، و اعتذر على تغيبه لدقائق ، و طلب مني أن آخذ راحتي في انتظار عودته . و ما إن بقيت لوحدي في الدكان حتى صار همي الوحيد هو معرفة الثمن الذي سيطلبه مقابل الموصل [ raccord- micro] ، و أخشى ما أخشاه أن يكون رصيدي في البنك غير كاف لتسديد ثمن الموصل ، و كنت على استعداد لأداء ضعف راتبي الشهري للحصول عليه ، لتصوير حبوب لقاح النباتات الرحيقية ، و دراسة أمراض النحل . و الغريب ? و الله على ما أقول شهيد ? أن فرحة خبر العثور على الموصل ، و طول المدة ، قد انستني تماما قصة الزيارة و دواء الآاطريلال ، لأنه كان الشخص الوحيد الذي أعطيته هذا الدواء آنذاك. عاد صاحب الدكان و معه شيخ كبير قدمه لي و قال : هذا أبي . و قدم لي طفل في حوالي العاشرة من عمره و قال : و هذا إبني . و أحضر المساعد الشاي و الحلوى ، و أعد مائدة جد منمقة ، ثم جاء مصور محترف فطلب منه صاحب الدكان أخد صور تذكارية على شرفي . كل هذا يدور حولي و أنا لا انفك أطلب من صاحب الدكان إحضار الموصل و معرفة ثمنه ، و هو يبتسم و يطلب منى الصبر و عدم التعجل . و أخيرا أحضر الموصل ، و هو كما أريده تماما ، و لما طلبت معرفة الثمن قال لي : " هل لك حاجة بآلة أخرى بالإضافة إلى الموصل هذا ? "، قلت له بكل صدق : " كل ما أتمناه هو أن يكون ثمن هذا الموصل مناسبا حتى أستطيع شراءه " . عندها أجابني قائلا : " إن هذا الموصل هو هدية مني إليك ، و هو قليل في حقك ، و كنت أود لو طلبت مني آلة أخرى أغلى من هذه " ، قلت له باستغراب : " و ما المناسبة ? " ، فأجابني قائلا :" أونسيت الدواء الذي أعطيتنيه أثناء زيارتي لك ? ، فهذا هو ابنى و قد شفي بإذن الله من البرص الذي أصابه في الشفتين و المرفق ، و ها هو كما تراه سليما معافا و الحمد لله . ثم أثنى علي والده ، و تقدم الطفل وسلم علي و كاد يقبل يدي ، فأخذت الموصل كهدية بعد إلحاح شديد من طرف الثلاثة ، و رجعت غانما ، بحمد الله و لطفه ، فصارت فرحتي بشفاء الطفل أكبر من فرحتي بالحصول على الموصل . و للحقيقة و الأمانة العلمية اقول ، أنني سمعت بعد مدة أن البرص قد ظهر من جديد في جسم الطفل الذي انقطعت عني أخباره منذ ما يقرب من عشرين عاما ، و نفس الملاحظة بالنسبة للعديد من المصابين الذين استعملوا هذا الدواء . و تجدر الإشارة هنا، أن النوع النباتي المستعمل وقتها بالمغرب و هو Ptychotis heterophyllum، ليس هو النوع المذكور من طرف ابن البيطار ، و المستعمل في عصره ببجاية بالجزائر و هو المعروف باسم Ptychotis verticillata ، كما قال المستشرق الفرنسي " لوسيان لوكليرك Lucien Leclerc في كتابه " تاريخ الطب العربي .
ملاحظات ابن البيطار حول الآاطريلال : أشار ابن البيطار في مادة " آاطريلال " إلى أن الطبيب العربي " الشريف الإدريسي " ذكر وصفة لعلاج البرص هذا نصها : { بزر الحشيشة المسماة آاطريلال، إذا أخذ منه جزء و نصف جزء ، و يؤخذ من سلخ الحية و ورق السذاب جزء ، و سحق الجميع و يسف خمسة أيام ، في كل يوم ثلاثة دراهم بشراب عنب ، شفاء من البرص . مجرب لاسيما إذا وقف شاربه في الشمس حتى يعرق . و إذا سحق بزر هذه الحشيشة ، و نخل ، و عجن بعسل منزوع الرغوة ، و يستعمل لعوقا، و شرب منه كل يوم مثقالان بماء حار خمسة عشر يوما متوالية ، أذهب البرص لا محالة ...} انتهى قول الشريف . و تعليق ابن البيطار على كلام الشريف هو : { زعم الشريف أن هذا الدواء [ أي بزر آاطريلال ] ، هو بزر أحد النبات المسمى باليونانية " دوفس " ، و ليس هو كذلك ، فاعلمه .} انتهى كلام ابن البيطار . يشير ابن البيطار هنا إلى ان الآطريلال عند الشريف هو بزر نبات آخر ، بزره شبيه ببزر الآطريلال ، لأنه من نفس فصيلة الخيميات ، إلا أنه من جنس آخر هو جنس " دوفس = Daucus " و هو جنس " الجزر " المعروف في المطبخ العالمي . ثم قال ابن البيطار : { و قالت جماعة من أهل صناعتنا أيضا أنه [ أي الآاطريلال ] بزر النبات المسمى " رعي الإبل " ، و عندي فيه نظر ، لأن " ديسقوريدس " يقول في رعي الإبل :" أن ساقه مزوى " ، و الحشيشة المسماة آاطريلال ساقها مدور ، فلينظر ذلك .} انتهى. و هنا إشارة إلى نبات آخر ظن البعض أنه نبات آاطريلال ، و هو نبات " رعي الإبل " ، و هو نباتت [ Echinops sphaerocephalus] في معجم د. أحمد عيسى . من فصيلة المركبات [ Composacées] . ولي مع بزر آاطريلال هذا واقعة طريفة ، أحكيها لما فيها من العبرة لمن يعتبر : كنت أتجول بسوق العطارين بمدينة من المدن ، أسأل عن بزر آاطريلال ، و كان جل العطارين عندنا لا يعرفونه ، و قليل منهم قرأ عنه في كتب الطب العربي و لا يعرفه ، إلا واحدا منهم قال بأن عنده بزر آاطريلال و حدد ثمنه ، فاستغربت من الأمر، و لا أكاد أصدق ، فطلبت منه مائتي غرام من بزر آطريلال . غاب العطار داخل دكانه ، وجاء بكيس صغير وبدأ يضع في كفة الميزان ثمار شجرة " تين الجميز " [ [Ficus sycomorus ] ، و هي أشجارعظام تزين شوارع المدينة ، يقوم منظفو الشوارع بجمعها و بيعها للعطارين الذين يقومون بصبغها باللون الأحمر بطبيخ عروق الفوة [ Rubia tinctorum] ، و يبيعونها باسم " النويويرة ". تعرفت على الثمار من أول نظرة ، فسألته من جديد : " هل هذا هو بزر آاطريلا ? " ، أجابني بدون تردد :" نعم . هو بعينه " . نظرت جيدا في وجه العطار ، فإذا به شيخ قارب الستين سنة ، ذو لحية يخالطها شيب كثير، حليق الرأس ، و تعلوه عمامة كبيرة شديدة البياض ، يرتدي جلبابا نظيفا به خطوط بيضاء و سوداء ، له مظهرشيخ ثقة ، يصدقه الغر دون تردد . قلت له باستغراب :" إذا كان هذا هو آاطريلال ? فما هي يا ترى " النويويرة " في بلادكم ?" ، و ما إن سمع إسم " النويويرة " ، حتى فهم مقصدي فترامى على الكفة ، و أخذها و ما فيها بسرعة و خفة ، فغاب داخل الدكان و تركني واقفا . فلما طال غيابه ، تابعت سيري و أنا أتعجب من أمره . و علمت بعد سنين أنه توفي ، رحمه الله و غفر لنا وله .